قصة أصحاب القرية

كان هناك في إحدى القرى ملك ظالم كافر بالله ( جل وعلا )، و قد جعل نفسه إلها من دون الله وأمر شعبه أن يعبدوه وأن يتخذوه إلها ففعلوا. وكان هذا الملك له جنود وأعوان ينتشرون بین الرعية فإذا علموا أن هناك رجلا آمن بالله ( جل وعلا )، أخبروا الملك فأمر بسجنه ، ثم قتله أمام الناس ليكون عبرة لمن أراد أن يؤمن بالله ( جل وعلا ). وظل الناس يعيشون في هذا الجو المرعب، لا يستطيع أن يعلن إيمانه بالله وإلا فسوف يكون مصيره السجن ثم القتل.

بعث الله تعالى بولس ويوحنا إلى هذه القرية

وفي يوم من الأيام أراد الله ( جل وعلا ) الخير الكبير لأهل هذه القرية ، فأرسل إليهم رسولین کریمین هما : بولس ويوحنا ( عليهما السلام ) وكان لا بد أن يبحثاعن طريقة للدخول على أهل هذه القرية من أجل دعوتهم إلى الله دون أن يصطدما مع الملك من أول لحظة ودخل بولس ويوحنا ( عليهما السلام ) إلى هذه القرية لتبدأ رحلة الدعوة إلى الله ( جل وعلا ) في هذه القرية التي كان أهلها يعبدون ملكها من دون الله. وبينما هما يسيران في شوارع تلك القرية ؛ إذ لقيهما رجل يرعى الغنم يقال له "حبيب النجار" فجلسا معه و أخذا يكلمانه عن الله ( جل وعلا ) وعظمته وقدرته و آياته في الكون وأخبراه أن الله خلق الناس ليعبدوه ويوحدوه فآمن حبيب النجار.

معجزة الشفاء

وبينما هو يسير معهما ؛ إذ أخبراه أن معجزتهما هي شفاء المرضى، وكان حبیب النجار عنده ابن مصاب بالجنون ، فقام بولس ويوحنا ( عليهما السلام ) فمسحاه ، فقام صحيحا معافي من الجنون. علم كثير من أهل القرية بأن ابن حبيب النجار قد شفي على يد هذين الرجلين ولم يعلم الناس أنهما من الأنبياء. وانتشر خبرهما .. وأصبح الناس يأتون إليهما من أجل التداوي و الشفاء وقد جعلهما الله ( جل وعلا ) سببا في شفاء كثير من الناس.

علم الملك الظالم بأمرهما

و کانا إذا جاءهما مريض يريد الشفاء، يعرضا علیه الإیمان بالله بعد أن يعالجاه (بفضل الله جل وعلا)،فسمع بهما هذا الملك الظالم بعد أن وصله خبرهما عن طريق العيون والجواسيس وعلم أنهما يدعوان الناس إلى عبادة الله ( جل وعلا )، فأرسل إليهما فجئ بهما ووقفا أمام الملك. وطلب منهما أن يسجدا للملك كما كان يفعل الناس أمام هذا الملك الظالم فرفضا أن يسجدا. فقال الملك: لماذا لم تسجدا لي ؟ فقال بولس ويوحنا ( عليهما السلام ): لأننا لا نسجد إلا لله ( جل وعلا ).

فقال الملك : فأنا الله، ولا يوجد في الكون إله غیري، فقالا له: بل أنت عبد ضعيف والله هو فاطر السماوات والأرض.

فصرخ الملك في الجنود وقال لهم : ضعوهما في السجن إلى أن يحين موعد قتلهم. ودخل بولس ويوحنا ( علیهما السلام ) السجن و انشغلا أيضا في السجن بالدعوة إلى الله ( جل وعلا )۔

أرسل الله تعالى رسول ثالث إلى القرية

علم أهل القرية بخبر الرسولين ومع ذلك لم يتحركوا ؛ لأنهم رضوا بالكفر وظلوا يعبدون الملك من دون الله ( جل وعلا ). وفي تلك الأثناء أرسل الله إلى أهل هذه القرية رسولا ثالثا وهو شمعون ( عليه السلام ). جاء شمعون ( عليه السلام ) ودخل القرية ليدعو الناس إلى عبادة الله وتوحيده فلقيه حبيب النجار الذي آمن على يد بولس ويوحنا ( عليهما السلام )، فقال لشمعون ( عليه السلام ): أحذر من أهل هذه القرية فإن شيمتهم الغدر والخيانة.. واحذر من الملك فإنه ظالم کافر.

فدخل شمعون إلى القرية على أنه أحد الأغنياء حتى استطاع أن يتعرف على بعض الوزراء الذين كانوا سبباً في أن يتعرف على الملك وأن يجلس معه حتی صار واحدا من جلسائه دون أن يعرف المنك أنه رسول من عند الله ( جل وعلا ).

وكان الملك يحبه ويحكي له أدق أسراره وتفاصيل حياته. وفي يوم من الأيام حکی له الملك قصة بولس ويوحنا ( عليهما السلام )، وكيف أنه لما علم أنهما يدعوان الناس إلى عبادة الله وضعهما في السجن إلى أن يأمر بقتلهما. فقال له شمعون ( عليه السلام ): ما رأيك في أن تأتي بهذين الرجلين وأناضرهما أمامك لنعلم إن کانا صادقين أو كاذبین. فأمر الملك الجنود باحضارهما ... فجيء بهما، ووقفا أمام الملك وأمام شمعون( عليه السلام )، فسألهما شمعون وكأنه لا يعرفهما : سمعت أنكما تشفيان المرضی، فقالا له : نحن لا نشفي أحدا ولكن اللہ هو الشافي.

فقال شمعون : أنتما تعبدان إلها غير هذا الملك.

فقالا له: نعم .. نعبد الله فاطر السماوات والأرض.

فقال شمعون : ما برهانكما على دينكما؟

قالا : نبرئ الأكمه والأبرص

فجاؤوا لهما بغلام أكمه ، ممسوح العينين، موضع عينيه كالجبهة. فدعوا الله ، فانشق موضع البصر، وعاد الغلام بصيرا. فعجب الملك مما رأی. وقال: ها هنا غلام مات منذ سبعة أيام ولم أدفنه حتى يجيء أبوه ، فهل يحييه ربكما؟

قالا: نعم. فدعوا الله علانية ، ودعا شمعون ربه سرا ، فأحيا الله الميت ، وقام يخاطب الناس وقال لهم: إني مت منذ سبعة أيام ، ووجدت مشركا ، و أدخلت في سبعة من أودية النار، فأحذركم ما أنتم فيه ، فأمنوا بالله ( جل وعلا).

فأراد شمعون ( عليه السلام ) أن يسخر من الملك وأن يبين له بالأدلة أنه على ضلال مبين لأنه يزعم أنه إله من دون الله. فقال شمعون لهما : لقد رأيت ما صنعتما، ولكن الملك يقول إنه إله وأنه يشفي المرضى ويرد للاعمى بصره ، فأمر شمعون فجئ برجل أعمى، وطالب شمعون الملك أن يرد عليه بصره، فوقف الملك حائراً عاجزا، لا يدري ماذا يصنع.

فقام بولس ويوحنا ( عليهما السلام ) وقالا للرجل: عد يصير بإذن الله ، فعاد بصیرا۔ وهنا قال شمعون من للملك : أيها الملك .. لقد ظهر عجزك وفقرك ورأيت كيف أن الله أكرمنا بهذه المعجزات لتعلم أن الله كل شيء قدير. فنحن الثلاثة رسل من عند الله فآمِن بالله فهو خير لك في الدنيا و الآخرة.

موقف الملك من رُسل الله تعالى

غضب الملك غضبا شديدا، ولم يؤمن بل ازداد كفرا وعناد. وأمر بوضع الرسل الثلاثة في السجن، وأعلن أنه سيتم قتلهم غدا أمام قصر الملك، وتجمع أهل القرية في اليوم التالى ليشهدوا قتل الرسل الثلاثة أمام قصر الملك، فنادی علیهم الرسل: أيها الناس.. آمنوا بالله ( جل وعلا ) فنحن رسل الله إليكم جئنا لندعوكم إلى عبادة الله وتوحيده.

فقال أهل القرية :نحن نتشاءم منكم ومن دعوتكم وسوف نقتلكم ونرجمكم بالحجارة. فقال الرسل : إنكم قوم مسرفون فقد كفرتم بالله وعبدتم رجلا ضعيفا، لا يملك لنفسه

أهل القرية يطالبون الملك بقتل الرُسل

فأخذ أهل القرية يصرخون ويطالبون الملك بقتل الرسل من أجل أن يرضي الملك عنهم ويعلم أنهم يؤيدونه في الكفر. و وفي وسط هذا الموقف العصيب، يأتي رجل من أقصا المدينة وهو حبيب النجار، جاء يسعى وينادي على أهل القرية ويقول: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(۲۰) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (۲۱) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (۲۲) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (۲۳) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (۲٤).

ثم نظر إلى الرسل وقال لهم: (إنی آمنتت بربکم فاسمعون)يس 25. أي: اسمعوا ما أقول لتشهدوا لي يوم القيامة أني آمنت بالله وحده واتبعتكم، فلما قال ذلك للرسل، قام عليه قومه فقتلوه. قيل : وطئوا عليه بأرجلهم ، حتى خرجت أمعاؤه من دبره حتى مات. وقيل: إنهم كانوا يرجمونه بالحجارة ، وهو يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. فقتلوه وقتلوا الرسل الثلاثة.

وقيل : إنهم لما أرادوا قتل حبيب النجار ، رفعه الله إلى السماء ، وأدخله إلى الجنة. (قيل ادخل الجنة) أي : فلما مات قال الله له : أدخل الجنة مع الشهداء الأبرار ، جزاء على صدق إيمانك وفوزك بالشهادة.

( قال ياليت قومي يعلمون (26) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين(27)) يس. أي : فلما دخل الجنة وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره، تمنى أن يعلم قومه بحاله، ليعلموا حسن مآله.

أما أهل القرية ، فقد جاءهم جبريل بالصيحة فأهلكهم جميعا، قال تعالى: ( وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلین ( 28 ) إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون (29)) يس. يخبر الله تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه غضبا منه تبارك وتعالى عليهم ؛ لأنهم كذبوا رسله وقتلوا وليه، ويذكر عز وجل أنه ما أنزل عليهم من أجل إهلاكهم جند الملائکة بل الأمر كان أيسر من ذلك. إن كانت الا صيحة واحدة، أي : فصاح عليهم جبريل علیه السلام صيحة واحدة فلم تبقى أي روح تتردد في جسد.

الدروس المستفادة من القصة

• أن الله إذا أراد خيرا بأهل قرية أرسل إليه من يدعوهم إلى الله ( جل وعلا ) ليعبدوه ويوحدوه.
• أن الدعوة الرحيمة تعطي ثمرتها في أسرع وقت.
• أن الله ( عز وجل ) يؤيد رسله بالمعجزات من أجل أن يعرف الناس قدرهم ويستجيبوا لدعوتهم
• أن الداعية الذكي هو الذي يعرف كيف يدخل إلى قلوب الناس من أجل أن يأخذ بأيديهم إلى مرضاة الله ( جل وعلا ).
• أن الداعية قد يبتلى بسبب دعوته ، فعليه أن يصبر و يحتسب

فيديوهات تعليمية عن قصة أصحاب القرية للأطفال

قصص القرآن للأطفال| قصة أصحاب القرية

قصة أصحاب القرية في سورة يـس

 المراجع:(المصري، محمود. قصص القرآن للأطفال مكتبة الصفا،2010، الطبعة الأولى)